تعديل

Affichage des articles dont le libellé est محاضرات ودروس. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est محاضرات ودروس. Afficher tous les articles

lundi 5 mai 2014

بعض ردود الرافعي في كتابه "تحت راية القرآن"على كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي

أولا ـ أسباب ضياع الشعر:
1 ـ هجاء أمية بن أبي الصلت للمسلمين:
    قال طه حسين عن أمية بن أبي الصلت: « إنه وقف من النبي - صلى الله عليه وسلم - موقف الخصومة هجا أصحابه وأيد مخالفيه. ورثى قتلى بدر من المشركين، وكان هذا وحده يكفي للنهي عن رواية شعره، وليضيع هذا الشعر كما ضاعت الكثرة المطلقة من الشعر الوثني الذي هُجي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حين كانت الخصومة شديدة بينه وبين مخالفيه من العرب الوثنيين واليهود»(1).
    وقال كذلك: « ليس إذن شعر أمية بن أبي الصلت بدعاً في شعر المتحنفين من العرب أو المتنصرين والمتهودين منهم. وليس يمكن أن يكون المسلمون قد تعمدوا محوه إلا ما كان منه هجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ونعياً على الإسلام؛ فقد سلك المسلمون فيه مسلكهم في غيره من الشعر الذي أهمل حتى ضاع»(2).
     وضح الرافعي أن طه حسين انخدع في هذا الحكم بقول كليمان هوار المستشرق الفرنسي فيما زعم من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن رواية شعر أمية، فتابعه طه وظن ذلك صحيحاً(3).
       ثم قدم الرافعي أدلة تثبت فساد ما ذهب إليه طه حسين:
    الدليل الأول: ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد من شعر أمية وما زال يقول للمنشد " إيه إيه " حتى استوفى مائة بيت!
    الدليل الثاني: كل ما عُرف من أمر ذلك النهى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رواية القصيدة التي رثى بها أمية قتلى المشركين في بدر، وهي مع ذلك لا تزال مروية في كتب السيرة إلى اليوم؛ فإن وقوع النهي لا يقتضي محو المنهي عنه ولا تركه عند من أراده.
    الدليل الثالث: قد نهى الله عن أشياء كثيرة ما زالت تؤتى، وستبقى ما بقيت الفطرة الإنسانية، فما أهمِل شعر أمية ولا نهي عن روايته، ولكنه الكذب والغفلة من طه حسين ومن المستشرق كليمان(4).
   الدليل الرابع: « لما أسر سهيل بن عمرو من مشركي قريش، وكان أعلم - أي مشقوق الشفة السفلى - وأرادت قريش فداءه، قال عمر بن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "انتزع ثنيتي سهيل بن عمرو السفليين يدلع لسانهُ فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبدا! فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأطلق الرجل، فلو أنه كان يمحو شيئاً أو يأمر بشيء في توفي الكلام وإبطاله لمحا أكبر وسائل الخطابة في هذا الخطيب المشرك، ولتركه ما يُبين حرفاً من حرف ولا يقيم الكلام على أصواته فلا يفلحْ بعدها في الخطابة أبداً»(5).
الدليل الخامس: ما زال المسلمون يَروون إلى اليوم قول ابن الزبَغرَى في الرد على النبي صلى الله عليه وسلم:
حياة ثم موت ثم نشر. . . حديثُ خرافةٍ يا أم عمرو!(6). 
الدليل السادس: لا زال المسلمون يروون قول ذلك اليهودي حين ضلت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم:
يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته!(7). 
    ويخلص الرافعي إلى «أن هؤلاء المستشرقين أجرأ الناس على الكذب ووضع النصوص المبالغة في العبارة متى تعلق الأمر بالإسلام أو بسبب يتصل به»(8).
    2 – محو شعر اليهود والنصارى خوفا على الإسلام:
    ذهب طه حسين إلى أن المسلمين محوا شعر النصارى واليهود ومنعوا روايته خوفاً على الإسلام، فمن أجل ذلك لم ينته إلينا من شعرهم شيء؟(9).   
    وقد رد عليه الرافعي بأدلة(10):       
     الدليل الأول: إن محو شعر النصارى أو اليهود أو المشركين ومنع روايته فشيء لم يقع لا في زمن الصحابة ولا في أيام بني أمية ولا أيام بني العباس.
   الدليل الثاني: ألف النصارى في تعظيم دينهم في زمان بني العباس كتباً كثيرةَ وتواريخ أيدوا بها مذهبهم، وما اعترضهم أحد ولا منعت الدولة كتبهم.
    الدليل الثالث: وقد كتب الجاحظ فيما روى قال: « أدركت رواة المسجديين والمربذيين ومن لم يرو أشعار المجانين ولصوص الأعراب ونسيبَ الأعراب والأرجازَ الأعرابية القصار وأشعارَ اليهود فإنهم كانوا لا يعدونه من الرواة»(11).
     يقول الرافعي: « فهذا نص على أن رواية شعر اليهود كانت في الإسلام باباً خاصاً من أبواب الرواية ونوعاً متميزاً من طرائف الشعر»(12).   
    الدليل الرابع: لم يقل مؤرخ غربي ولا شرقي إن الإسلام أكره أحداً في الدين أو منع كتب الملل الأخرى.  

ثانيا ـ شك طه حسين في الشعر الجاهلي:
   1 ـ شك طه حسين في الشعر الجاهلي برمته؛ قال: «لا يوجد شعر جاهلي بل هو مصنوع بعد الإسلام، وأن هذا الجاهلي لا يستشهد به على القرآن بل القرآن هو الذي يحتج به للشعر؟»(13).  ثم إن صورة العصر الجاهلي ـ في نظره ـ لا يمثلها الشعر المنسوب إلى العصر الجاهلي الذي ضاع شعره،  وإنما صورة العصر الجاهلي قد حُفظت لأن القرآن الكريم يمثل العصر الجاهلي ويصوره.

2 ـ اختلاف اللهجات العربية دليل على الوضع:  قال الرافعي: « وقد وجدنا أن أقوى ما يستند إليه المؤلف في كذب ما روي من الشعر الجاهلي دليل واحد اجتهد فيه وكرره وسماه عقدة لغوية وأيقن أن أنصار القديم لا يستطيعون فيه شيئاً، وذلك ظنه أن اختلاف لهجات العرب يجب أن يكون في أشعارها»(14). 
    ولما كان شعر الجاهلية ليس فيه شيء منها فهو موضوع بعد الإسلام وبعد أن صارت اللغة قرشية، قال: « فهذا النوع من اختلاف اللهجات له أثره الطبيعي اللازم في الشعر، في أوزانه وتقاطيعه وبحوره وقوافيه بوجه عام، وإذا لم يكن نظم القرآن وهو ليس شعراً ولا مقيداً بما يتقيد به الشعر قد استطاع أن يستقيم في الأداء لهذه القبائل "يريد اختلاف القراءات" فكيف استطاع الشعر،وكيف لم تحدث هذه اللهجات المتباينة آثارها في وزن الشعر وتقطيعه الموسيقي؟»(15).  
    وجه إليه الرافعي نقدا واتهمه بأنه جاهل، واستدل على تهافت قوله بهذه الأدلة:
   الدليل الأول: جهل طه حسين بمعرفة اللهجة، إن اللهجة لا تغير شيئاً من أوزان الشعر. « فهي في معظمها بين إبدال حرف بحرف أو حركة بحركة أو مد بمد، وكل ذلك لا يؤثر في إقامة الوزن كثيراً ولا قليلاً، والاختلاف في الحقيقة هيئات في النطق والصوت أكثر مما هو هيئات في الوضع واللغة، ومع ذلك فقد نصوا على أن العربي الفصيح غير مقيد بلغة قبيلته إذا نافرت طبع الفصاحة فيه، فمنهم من يوافق اللهجة ومنهم من يخالفها لسبب عند هذا وعند هذا راجع إلى الفطرة وقوتها، ومن القبائل من تأخذ لهجة غيرها كما فعلت قريش، فقد كانت لا تهمز، فلما نزل القرآن بالهمز اتخذت هذه اللهجة»(16).  
   الدليل الثاني: ورد نص عن ابن الكلبي أن العرب لم ترو من شعر الجاهلية إلا ما كان إلى مائة سنة قبل الإسلام، أي عمر رجلين يروي أحدهما عن الآخر، وذلك هو الزمن الذي نهضت فيه اللغة وأخذ العَرب بعضهم عن بعض.
   الدليل الثالث: ورد نص يثبت أن العرب يأخذون باختلاف اللهجات « في إنشاد الشعر إذا وجد في لغة من ترتضى عربيته، ومنه ما لا يؤخذ به إذا وُجد في لغة من لا تُرضى عربيته، فذلك دليل قاطع على أن العلماء حذفوا أشياء لم يَرضوها وغيروا في إنشاد الشعر لا في نظمه، قال شاعر من بني تميم:
ولا أكول لكدْر الكوم قد نضجت. . . ولا أكول لباب الدار مكفول
يريد:                     لا أقول لقدر القوم قد نضجــت      ولا أقول لباب الدار مقفول
     وهي القاف المعقودة التي ينطقونها بين القاف والكاف، وكانت شائعة في العرب»(17). وقد روي شعر كله يإبدال كافه قافا لتوافق اللغة الفصحى في الإنشاد.
  الدليل الرابع: لغة حمير: وفي الحديث من لغة حِمير «ليس من امِبر امصِيامُ في امسفَرِ». إذ كان من لغتهم إبدال لام التعريف ميماً، وهذه العبارة لو أشبعت فيها حركة السين في "ليس" خرج منها شطر موزون من الرجز، فإذا أنشدته بالفصحى وقلت:ليسا من البر الصيامُ في السفر فأين تأثير اللهجات في الوزن والتقطيع الموسيقي...والبحر والقافية؟(18)
    يقول الرافعي مستنتجا: فالدليل الذي حسب طه حسين « أنه ليس أقوى ولا أعضل منه في بابه هو كما تراه أوهَنُ أدلته وأسرعها اضمحلالاً، فكيف بغيره مما تمحل فيه وتكلف له التلفيق؟»(19).

3 ـ شك طه حسين في شعر امرئ القيس:
    أ ـ شك في شعره لأنه يمني ولغته حجازية:  قال طه حسين: « وقد يكون لنا أن نلاحظ قبل كل شيء ملاحظة لا أدري كيف يتخلص منها أنصار القديم، وهي أن امرأ القيس - إن صحت أحاديث الرواة (يعني إن صح أنه وُجِد) يمني وشعره قرشي اللغة... ولغة اليمن مخالفة كل المخالفة للغة الحجاز فكيف نظم الشاعر اليمني شعره في لغة أهل الحجاز»(20).
    إلى أن يقول: « وأعجب من هذا أنك لا تجد مطلقاً في شعر امرئ القيس لفظاً أو أسلوباً أو نحواً من أنحاء القول يدل على أنه يمني، فمهما يكن امرؤ القيس قد تأثر بلغة عدنان فكيف نستطيع أن نتصور أن لغته قد مُحيت من نفسه محواً تاماً ولم يظهر لها أثر في شعره؛ نظن أن أنصار القديم سيجدون كثيراً من المشقة والعناء ليحلوا هذه المشكلة»(21).
    قال الرافعي: « انظر يا سيدنا ومولانا طه حسين في كتاب العمدة في صفحة 59 من الجزء الأول. تجدهم حلُّوا مشكلتك منذ ألف سنة بقولهم إن امرأ القيس يماني النسب نزاري الدار والمنشأ - يعني المولد والمربى. ولا تؤاخذنا، في التفسير لك - فقل أنت الآن يا سيدنا ومولانا، هل تريد أن تولد لغة اليمن في دمه فيكون دمه معجماً لغوياً لا يجري كريات حمراء بل كلمات واشتقاقات وأساليب؛ وهل العربية أية لهجة كانت إلا على الدار والمنشأ بالسماع والمحاكاة؛ كان سبيلك يا سيدنا ومولانا أن تثبت لنا بدياً أن امرأ القيس وُلد ونشأ في اليمن ثم تنقل بعد ذلك في قبائل العرب، ثم يكون لك أن تقول: فكيف نسي لغته؟ وماذا نرى في قول بعض الرواة إن الشعر يماني واحتجاجهم لذلك في الجاهلية بامرئ القيس، وفي الإسلام بحسان بن ثابت، وفي المولدين بأبي نواس وأصحابه مسلم بن الوليد وأبي الشيص ودعبل - وكلهم من اليمن - وفي الطبقة التي تليهم بالطائيين أَبي تمام والبحتري. أكل هؤلاء وهم ينسبون إلى اليمن قد كانوا إلا على لغة الدار والمنشأ؟»(22).  
    وقد استند طه حسين في الشك في شعر شعراء اليمن إلى قول ابن سلام: « مَا لِسَان حمير وأقاصى الْيمن الْيَوْم بلساننا وَلَا عربيتهم بعربيتنا»(23). ونلاحظ أن طه حسين حرف هذا النص، وحذف كلمة «أقاصي»، وقال: «لغتهم بلغتنا» بدل «عربيتهم بعربيتنا». ونحن نعرف الفرق بين عربيتهم وبين لغتهم، فلغتهم تفيد أنهم يتكلمون لسانا غير العربية، في حين إن النص الذي أورده ابن سلام يفيد أنهم يتكلمون لهجة عربية تختلف عن لهجة قريش. وعلى هذا التصحيف أسس حكمه بأن لغة اليمن لا علاقة لها بلغة قريش، ومن ثمة فالشعر الذي قاله الشعراء اليمنيون شعر موضوع وضعه الإسلاميون على لسان شعراء لم يكونوا موجودين.
ب ـ شك في شعر الغزل المروي له:  قال طه حسين:«إن الغزل المروي لامرئ القيس هو لعمر بن أبي ربيعة»(24). 
    يقول طه: « أما وصفُ امرئ القيس لخليلته وزيارته إياها وتجشمه ما تجشم للوصول إليها وتخوفها الفضيحة حين رأته وخروجها معه وتعفيتها آثارهما بذيل مرطها وما كان بينهما من لهو، فهو أشبه بشعر عمر بن أبي ربيعة منه بأي شيء آخر؛ فهذا النحو من القصص الغرامي في الشعر فن ابن أبي ربيعة قد احتكره احتكاراً لم ينازعه فيه أحد»(25).  

4 ـ شك طه حسين في معلقة عمرو بن كلثوم لقوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا     فنجهل فوق جهل الجاهلينا
    قال طه حسين: « قلت إن هذاً البيت يمثل إباء البدوي للضيم، ولكني أسرع فأقول إنه لا يمثل سلاسة الطبع البدوي وإعراضه عن تكرار الحروف إلى هذا الحد الممل فتمد كثرت هذه الجيمات والهاءات واللامات واشتد هذا الجهل حتى مُل»(26).
   ويستدل الرافعي على أن التكرار ليس عيبا في الشعر بدليلين:
  الدليل الأول: يقوم أسلوب طه حسين على التكرار: « قلنا ليته لم يسرع ولم يفرح بهذا الخاطر فقد عثر من إسراعه فامتلأ فمه تراباً، ومتى كان الأستاذ طه حسين يفطن إلى عيب تكرار الحروف وهو الذي كانت تضرب به الأمثال في التكرار قبل أن نلقنه ذلك الدرس في جريدة "السياسة"، وهو لم يبرأ بعدُ من هذه العلة، فقد رأينا له مقالاً في "مقتطف" شهر مارس من هذه السنة 1926 جاءت فيه هذه الشأشأة. . . " يمضي حيث يشاء ويصور الأشياء كما يشاء لا كما تشاء الأشياء» (27).
   الدليل الثاني: إن التكرار في بيت عمرو بن كلثوم هو سر البلاغة فيه: وهو اللون الذي نفضه الشاعر من ألوان روحه على المعنى ليخلقه خلقاً حياً بحيث لو لم يكن هذا التكرار لضعف المعنى وسقطت رتبة الشعر؛ فإن هذا الشاعر يمثل في البيت غضب قومه وحفاظهم وقدرتهم على المجازاة والنقمة والأخذ الشديد لمن عز وهان، فلم يقل: إذا جهل أحد علينا فعلنا وفعلنا، وكان يستطيعه إذا جعل البيت:
متى ما يجهلن أحد علينا جهلنا. . . الخ،
   بل نبه أولاً بقوله: « "ألا" ثم نهى بعد ذلك أن يجهل أحد عليهم، ليشعِر أن لقومه الأمر والنهي؛ فهذه واحدة، ثم كرر بعد ذلك لفظ الجهل بالفعل والمصدر واسم الفاعل، ومضى به إلى منقطع الشعر جهلاً بعد جهل، ليشعر النفوس أن انتقامهم بلاء لا آخر له، يتتابع فيه الجهل الذي لا عقل معه فلا رحمة فيه. وكأنه يقول: إن الصاع بثلاثة، وإن من أساء إلينا واحدة رددناها عليه ثلاثاً؛ وكل ذلك إنما أفاده التكرار، وهذا هو غضب الطبع البدوي وحفيظته، فلا تنتظر من هذا الطبع الحر سلاسة ولا رقة في موقف الغضب والتحذير وإنذاره أعداءه البطشة الكبرى، بل ترقب الهول الهائل الذي تمثله لك الجيمات والهاءات واللامات إذا ملأ بها شدقيه عربي جهير الصوت فخم الإنشاد ثائر العاطفة غضوب الدم يهدر بالكلام هديراً»(28).

5 ـ سهولة ألفاظ الشعر الجاهلي دليل على وضعه:
     قال الرافعي: « ويجعل من أسباب وضع الشعر سهولةَ ألفاظه، ويطلق ذلك في كل الشعراء الجاهليين قياساً واحداً؟»(29).
    وقد رد عليه ذلك بأدلة:
    الدليل الأول: نص الرواة العلماء «على أن الأعشى يحيل في لفظه كثيراً ويسفسف دائماً ويرق ويضعف، وقد جعلوه بإزاء النابغة، قالوا: وألفاظ النابغة في الغاية من البراعة والحسن. فإذا كان هذا الشعر وضعاً وصنعة فما الذي شدَّ النابغة وأرخى الأعشى؛ وقد أدرك الأعشى الإسلام وكان جاهلياً، وكان أهل الكوفة يقدمونه على الشعراء، فلا شبهة في وجوده؛ وكان من شعراء ربيعة كطرفة بن العبد، وإنهما لمتباينان في ألفاظ الشعر؛ فكيف اشتد واحد ولان الآخر». ؟»(30).
   الدليل الثاني: كان الأصمعي يزعم أن العرب لا تروي شعر أبي دؤاد وعدي بن زيد، وعلل هذا بأن ألفاظهما ليست نجدية، أي ليست قوية متينة السبك في الغاية من القوة والجزالة، ولقد كان الأصمعي أحق من طه حسين بما ذهب إليه لو أن رقة الألفاظ تنفي نسبة الشعر إلى جاهلي أو مخضرم أو تُثبته لمولَّد أو محدَث تكون سبباً من أسباب الشك.
   الدليل الثالث: كان معاوية يفضل شعر عدي مع رقته على شعر باقي الشعراء.
   الدليل الرابع: كان الحطيئة يفضل شعر أبي دؤاد مع رقته وهو أعلم بالشعر من طه ومن أجداده.
   الدليل الخامس: « إن الرقة والجزالة واللين والجفاء لا ترجع في الشعر إلى لغة الشاعر ولا عصره ولكن لعواطفه ومعانيه وذوقه، وللطريقة التي نشأ عليها، وللشاعر الذي يحتذيه؛ فإن الشاعرية لا تنبت شاعريته كما تنبت الشجرة، بل هو يروي شعر غيره فيعمل عليه، ثم تعرض له أمور من نفسه ودهره وعيشه فتؤثر فيه قوة وضعفاً، وقد كانوا لا يعدون الشاعر إلا مَن روى لغيره، لأنه متى روى استفحل»(31).

ثالثا ـ منهج طه حسين في الاستدلال بالنصوص:
أ ـ ترجمة النص من العربية إلى العربية:
نص رقم: 1.
    قال طه حسين: «ولابن سلام مذهب في الاستدلال لإثبات أن أكثر الشعر قد ضاع، لا بأس أن نلم به، فهو يرى أن طرفة بن العبد وعبيد بن الأبرص من أشهر الشعراء الجاهليين وأشدهم تقدماً، وهو يرى أن الرواة المصححين لم يحفظوا لهذين الشاعرين إلا قصائد بقدر عشر، فهو يقول: إن لم يكن هذان الشاعران قد قالا إلا ما يحفظ لهما فهما لا يستحقان هذه الشهرة وهذا التقدم. وإذن فقد قالا شعراً كثيراً ولكنه ضاع ولم يبق منه إلا هذا القليل، وشق على الرواة أو على غير الرواة ألا يروى لهذين الشاعرين إلا قصائد بقدر عشر فأضافوا إليهما ما لم يقولا»(32). انتهت الترجمة.
    قال الرافعي: أما الأصل في اللغة العربية فهو: « ومما يدل على ذهاب العلم وسقوطه قلة ما بقي بأيدي الرواة والمصححين لطرفة وعبيد. والذي صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وُضعا من الشهرة والتقدمة، وإن كان يروى من الغثاء لهما فليسا يستحقان مكانهما من أفواه الرواة، ونرى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير. غير أن الذي نالهما من ذلك أكثر، وكانا أقدم الفحول؛ فلعل ذلك لذلك، فلما قل كلامهما حُمل عليهما حمل كثير»(33). 
    ثم قال الرافعي: « وعارِض أنت بلاغة ببلاغة ولغة بلغة، وقابِل بين ما ذهب إليه طه وما أراد ابن سلام؛ فمهما أخطأ فلن يخطئك أن تعرف الفرقَ بين الثرثرة والقصد، وبين هزيل الكلام وسمينه؛ وبين صحة الفكر وفساده وبين الأخذ من الدليل بقيده والاتساع في الدليل على إطلاقه»(34).  
    وما يرى ابن سلام إلا أن:
أ ـ «أسباب ضياع ما ضاع من الشعر إن كثيراً أو قليلاً» وأن كثرة ما ضاع من شعر طرفة وعبيد إنما كان لأنهما أقدم الفحول، فبعد العهد به ومات بموت من علموه من عرب الجاهلية.
ب ـ إثبات أن لنا "رواة مصححين"، وأنهم صححوا لطرفة وعبيد قصائد بقدر عشر، وأثبتوا أن ما عداها غثاء حُمل عليها حملاً.
   ثم قال الرافعي: « ويلزم من هذا أنهم درسوا الشعر وجمعوه وحققوا روايته وأثبتوا الصحيح ونصوا عليه وميزوا المنحول وردوه وفصلوا الشعراء وقالوا في كل منهم وعارضوا بين الأقوال ورجحوا واستدلوا واحتجوا وناظروا، فوجب من ثم أن نصير إلى قول أولئك المصححين ونأخذ بعلمهم ونقف عند ما نصوا عليه، لأنهم كانوا أهل هذا العلم ولا أهل له من بعدهم إلا بِصلة تنتهي إليهم؛ وهو ظاهر أن هؤلاء الرواة لم يُثبتوا في كتبهم إلا ما صح عندهم، وأنه ليس على الأرض اليوم من يستطيع بعض ما فعلوه، لأننا بالإضافة إليهم أمة من الأعاجم؛ وبديهي أن ما يكون من وسائل العلم والرواية والنقد بعد مائة سنة من تاريخ الجاهلية لا يكون مثله ولا بعضه ولا بعض من بعضه بعد أربعمائة وألف سنة، وخاصة مع انقطاع الأسانيد وضياع الكتب؛ فأين هذا كله مما يذهب طه إليه وما خرف به في كتابه؟»(35).

نص رقم: 2.
    يقول طه حسين بعد أن بين أن العصبية كانت من أهم الأسباب التي حملت العرب على وضع الشعر ونسبته إلى الجاهلية، قال: « وقد رأيت أن القدماء قد سبقونا إلى هذه النتيجة؛ وأريد أن ترى أنهم قد شقوا بها شقاء كثيراً، فابن سلام يحدثنا بأن أهل العلم قادرون على أن يميزوا الشعر الذي ينتحله الرواة (كذا وهو يريد الوضع لا الانتحال) في سهولة، ولكنهم يجدون مشقة وعسراً في تمييز الشعر الذي ينتحله العرب أنفسَهم! »(36). انتهت الترجمة.
   أما الأصل المعرَّب العربي فهو: « ثم كانت الرواة بعدُ فزادوا في الأشعار، وليس يشكل على أهل العلم زيادة ذلك ولا ما وضع المولَّدون وإنما عَضَل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من وَلَدِ الشعراء أو الرجلُ ليس من ولَدِهم، فيشكل ذلك بعض الإشكال»(37).  
    قال الرافعي: « فانظر إلى الفرق البعيد بين قول ابن سلام: "الرجل من أهل بادية" وبين قول طه "الذي ينتحله العرب أنفسهم " وتأمل معنى (يشكل بعض الإشكال) ومعنى "يجدون مشقة وعسراً" وكلام ابن سلام صريح قاطع في أن الشعر الذي نسب إلى الجاهلية وأشكل أمره على الرواة قليل جداً، ثم هو لا يشكل إلا "بعض الإشكال" ثم لا يكون كذلك إلا حين يجيء من عربي قح له عرق في الشعر فتعَينه الوراثة أو عربي في حكم ذلك بالقريحة والقوة والطبع، أما الذي زاده الرواة والذي صنعه المولدون فكل ذلك متميز معروف لا إشكال فيه، وهو بعض ما يقوم عليه الرواة، لأنه من مادة علمهم ولا فائدة للرواية إن لم تتحقق به، فقل لي بعيشك أين هذا مما ذهب إليه طه في الحكم بتزوير (الكثرة المطلقة) من الشعر؟ »(38).

نص رقم: 3.
    وقال طه حسين: قال ابن سلام - كان الله لك يا ابن سلام. . . - وقد نظرت قريش فإذا حظها من الشعر قليل في الجاهلية، فاستكثرت منه في الإسلام. قال: وليس من شك عندي في أنها استكثرت بنوع خاص من هذا الشعر الذي يُهجى فيه الأنصار(39).
     وترجم هذا النص ترجمة أخرى فقال عن ابن سلام: (وهو يحدثنا بأ كثر من هذا: يحدثنا أن قريشاً كانت أقل العرب شعراً في الجاهلية. فاضطرها ذلك - تأمل - إلى أن تكون أكثر العرب انتحالاً للشعر في الإسلام). أما ترى؟ أما تعي؟ أما تعجب؟ هل كان في النص الأول أن قريشاً كانت (أقل العرب) شعراً في الجاهلية فاضطرها ذلك اضطراراً لأن تكون (أكثر العرب) انتحالاً؟(40).
    على أن كتاب ابن سلام مطبوع، ولم نعثر فيه على أصل النص، وإنما الذي رأيناه من كلامه في الكتاب كله أنه علل قلة شعر قريش في الجاهلية بأنهم لم يحاربوا ولم تكن بينهم نائرة، وإنما تكثر الأشعار في الحروب والوقائع.
     وقال في موضع آخر: وقريش تزيد في أشعارها تريد بذلك الأنصار والرد على حسان.
     ففي كلام طه حسين كذب وسرقة: فأما الكذب فنسبته إلى ابن سلام أنه قال إن قريشاً "أكثر العرب انتحالاً للشعر في الإسلام". وأما السرقة فقوله: "وليس من شك عندي" في أنها استكثرت بنوع خاص. . . من هذا الشعر الذي يهجى فيه الأنصار فذلك من عند ابن سلام لا من عند طه حسين، ويبقى أن تعرف أن - ابن سلام الزيادة كلها من هذا النوع أما أستاذ - الجامعة فجعلها من أنواع كثيرة وهذا النوع هو "الخاص" منها؛ فكيف ترى الصنيع وكيف تسميه؟.
    والغريب أن هذا الأستاذ الذي يحاول ما لم تحاوله أمة كاملة من العلماء والرواة وأهل الأدب، لا مرجع له في اللغة العربية في علمه ونُقوله إلا كتابان: أحدهما الأغاني والآخر طبقات ابن سلام أفبكتابين يصبح في رأي الجامعة شيخ المتقدمين والمتأخرين ويمحو ويثبت - كلما شاء كما يشاء لا كما تشاء الأشياء حينما تشاء الأشياء. . . -؟»(41). 


الهوامش
(1): في الشعر الجاهلي، ص: 84.
(2): المصدر نفسه، ص: 5.
(3): تحت راية القرآن، ص: 108.
(4): المصدر نفسه، ص: 109.
(5): نفسه، ص: 109.
(6): تحت راية القرآن، ص: 109.
(7): المصدر نفسه، ص: 109.
(8): نفسه، ص: 108.
(9): نفسه، ص: 94.
(10): نفسه، ص: 79.
(11): البيان والتبيين، 3/259.
(12): تحت راية القرآن، ص: 110.
(13): المصدر نفسه، ص: 94.
(14): نفسه، ص: 115.
(15): نفسه، ص: 115.
(16): نفسه، ص: 115.
(17): نفسه، ص: 115-116.
(18): نفسه، ص: 116.
(19): نفسه، ص: 116.
(20): في الشعر الجاهلي، ص: 141.
(21): المصدر نفسه، ص: 141.
(22): تحت راية القرآن، ص: 207.
(23): طبقات فحول الشعراء، 1/ 11.
(24): تحت راية القرآن، ص: 94.
(25): المصدر نفسه، ص: 227.
(26): نفسه، ص: 113.
(27): نفسه، ص: 113.
(28): نفسه، ص: 113.
(29): نفسه، ص: 208.
(30): نفسه، ص: 208.
(31): نفسه، ص: 208.
(32): في الشعر الجاهلي، ص: 66.
(33): طبقات فحول الشعراء، 1/ 142.
(34): تحت راية القرآن، ص: 142 - 143.
(35): المصدر نفسه، ص: 143.
(36): في الشعر الجاهلي، ص: 67.
(37): طبقات فحول الشعراء، 1/46- 47.
(38): تحت راية القرآن، ص: 143 – 144.
(39): في الشعر الجاهلي، ص: 54.
(40): المصدر نفسه، ص: 66.
(41): تحت راية القرآن، ص: 144 ـ 145.

شارك